فصل: قال أبو حيان:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



قال القشيري: والصحيح أنها نزلت في المؤمن والكافر على التعميم.
الثعلبي: وبالجملة فإنها نزلت في كل كافر متع في الدنيا بالعافية والغنى وله في الآخرة النار، وفي كل مؤمن صبر على بلاء الدنيا ثقة بوعد الله وله في الآخرة الجنة.
قوله تعالى: {وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ} أي ينادي الله يوم القيامة هؤلاء المشركين {فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَآئِيَ} بزعمكم أنهم ينصرونكم ويشفعون لكم.
{قَالَ الذين حَقَّ عَلَيْهِمُ القول} أي حقت عليهم كلمة العذاب وهم الرؤساء؛ قاله الكلبي.
وقال قتادة: هم الشياطين.
{رَبَّنَا هؤلاء الذين أَغْوَيْنَآ} أي دعوناهم إلى الغيّ.
فقيل لهم: أغويتموهم؟ قالوا: {أَغْوَيْنَاهُمْ كَمَا غَوَيْنَا}.
يعنون أضللناهم كما كنا ضالين.
{تَبَرَّأْنَآ إِلَيْكَ} أي تبرأ بعضنا من بعض، والشياطين يتبرؤون ممن أطاعهم، والرؤساء يتبرؤون ممن قبل منهم؛ كما قال تعالى: {الأخلاء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ المتقين} [الزخرف: 67].
قوله تعالى: {وَقِيلَ} أي للكفار {ادعوا شُرَكَاءَكُمْ} أي استغيثوا بآلهتكم التي عبدتموها في الدنيا لتنصركم وتدفع عنكم.
{فَدَعَوْهُمْ} أي استغاثوا بهم.
{فَلَمْ يَسْتَجِيبُواْ لَهُمْ} أي فلم يجيبوهم ولم ينتفعوا بهم.
{وَرَأَوُاْ العذاب لَوْ أَنَّهُمْ كَانُواْ يَهْتَدُونَ} قال الزجاج: جواب {لَوْ} محذوف؛ والمعنى: لو أنهم كانوا يهتدون لأنجاهم الهدى، ولما صاروا إلى العذاب.
وقيل: أي لو أنهم كانوا يهتدون ما دعوهم.
وقيل المعنى: ودّوا حين رأوا العذاب لو أنهم كانوا يهتدون في الدنيا إذا رأوا العذاب يوم القيامة.
{مَاذَآ أَجَبْتُمُ المرسلين} أي يقول الله لهم ما كان جوابكم لمن أرسل إليكم من النبيين لما بلغوكم رسالاتي.
{فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الأنباء يَوْمَئِذٍ} أي خفيت عليهم الحجج؛ قاله مجاهد؛ لأن الله قد أعذر إليهم في الدنيا فلا يكون لهم عذر ولا حجة يوم القيامة.
و{الأَنْبَاءُ} الأخبار؛ سَمَّى حججهم أنباء لأنها أخبار يخبرونها.
{فَهُمْ لاَ يَتَسَاءَلُونَ} أي لا يسأل بعضهم بعضًا عن الحجج؛ لأن الله تعالى أدحض حججهم؛ قاله الضحاك.
قال ابن عباس: {لاَ يَتَسَاءَلُونَ} أي لا ينطقون بحجة.
وقيل: {لاَ يَتَسَاءَلُونَ} في تلك الساعة، ولا يدرون ما يجيبون به من هول تلك الساعة، ثم يجيبون بعد ذلك كما أخبر عن قولهم: {والله رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ} [الأنعام: 23].
وقال مجاهد: لا يتساءلون بالأنساب.
وقيل: لا يسأل بعضهم بعضًا أن يحمل من ذنوبه شيئًا؛ حكاه ابن عيسى.
قوله تعالى: {فَأَمَّا مَن تَابَ} أي من الشرك {وَآمَنَ} أي صدّق {وَعَمِلَ صَالِحًا} أدى الفرائض وأكثر من النوافل {فعسى أَن يَكُونَ مِنَ المفلحين} أي من الفائزين بالسعادة.
وعسى من الله واجبة. اهـ.

.قال أبو حيان:

{وما أوتيتم من شيء} أي حسن يسركم وتفخرون به، {فمتاع الحياة الدنيا وزينتها} تمتعون أيامًا قلائل، {وما عند الله} من النعيم الدائم الباقي المعد للمؤمنين، {خير}.
من متاعكم، {أفلا تعقلون} توبيخ لهم.
وقرأ أبو عمرو: يعقلون، بالياء، إعراض عن خطابهم وخطاب لغيرهم، كأنه قال: انظروا إلى هؤلاء وسخافة عقولهم.
وقرأ الجمهور: بالتاء من فوق، على خطابهم وتوبيخهم، في كونهم أهملوا العقل في العاقبة.
ونسب هذه القراءة أبو علي في الحجة إلى أبي عمرو وحده، وفي التحرير والتحبير بين الياء والتاء، عن أبي عمرو.
وقرىء: متاعًا الحياة الدنيا، أي يمتعون متاعًا في الحياة الدنيا، فانتصب الحياة الدنيا على الظرف.
{أفمن وعدناه} يذكر تفاوت ما بين الرجلين من وعد، {وعدًا حسنًا} وهو الثواب، فلاقاه، ومن متع في الحياة الدنيا، ثم أحضر إلى النار.
وظاهر الآية العموم في المؤمن والكافر.
قيل: ونزلت في الرسول صلى الله عليه وسلم، وأبي جهل.
وقيل: في حمزة وأبي جهل.
وقيل: في عليّ وأبي جهل.
وقيل: في عمار والوليد بن المغيرة.
وقيل: نزلت في المؤمن والكافر، وغلب لفظ المحضر في المحضر إلى النار كقوله: {لكنت من المحضرين} {فكذبوه فإنهم لمحضرون} والفاء في: {أفمن} للعطف، لما ذكر تفاوت ما بين ما أوتوا من المتاع والزينة، وما عند الله من الثواب، قال: أفبعد هذا التفاوت الظاهر يسوى بين أبناء الآخرة وأبناء الدنيا؟ والفاء في: {فهو لاقيه} للتسبيب، لأن لقاء الموعود مسبب عن الوعد الذي هو الضمان في الخبر، وثم للتراخي حال الإحضار عن حال التمتع بتراخي وقته عن وقته.
وقرأ طلحة: أمن وعدناه، بغير فاء.
{وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (62)}.
لما ذكر أن الممتعين في الدنيا يحضرون إلى النار، ذكر شيئًا من أحوال يوم القيامة، أي واذكر حالهم يوم يناديهم الله، ونداؤه إياهم يحتمل أن يكون بواسطة وبغير واسطة؛ {فيقول أين شركائي}؟ أي على زعمكم، وهذا الاستفهام على جهة التوبيخ والتقريع؛ والشركاء هم من عبدوه من دون الله، من ملك، أو جنّ، أو إنس، أو كوكب، أو صنم، أو غير ذلك.
ومفعولا {تزعمون} محذوفان، أحدهما العائد على الموصول، والتقدير: تزعمونهم شركاء.
ولما كان هذا السؤال مسكتًا لهم، إذ تلك الشركاء التي عمدوها مفقودون، هم أوجدوا هم في الآخرة حادوا عن الجواب إلى كلام لا يجدي.
{قال الذين حق عليهم القول} أي الشياطين، وأئمة الكفر ورءوسه؛ وحق: أي وجب عليهم القول، أي مقتضاه، وهو قوله: {لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين} و{هؤلاء} مبتدأ، و{الذين أغوينا} هم صفة، و{أغويناهم كما غوينا} الخبر، و{كما غوينا} صفة لمطاوع أغويناهم، أي فغووا كما غوينا، أي تسببنا لهم في الغي فقبلوا منا.
وهذا الإعراب قاله الزمخشري.
وقال أبو عليّ: ولا يجوز هذا الوجه، لأنه ليس في الخبر زيادة على ما في صفة المبتدأ.
قال: فإن قلت: قد وصلت بقوله: {كما غوينا} وفيه زيادة.
قيل: الزيادة بالظرف لا تصيره أصلًا في الجملة، لأن الظروف صلات، وقال هو: {الذين أغوينا} هو الخبر، و{أغويناهم} مستأنف.
وقال غير أبي علي: لا يمتنع الوجه الأول، لأن الفضلات في بعض المواضع تلزم، كقولك: زيد عمرو قائم في داره. انتهى.
والمعنى: هؤلاء أتباعنا آثروا الكفر على الإيمان، كما آثرناه نحن، ونحن كنا السبب في كفرهم، فقبلوا منا.
وقرأ أبان، عن عاصم وبعض الشاميين: كما غوينا، بكسر الواو.
قال ابن خالويه: وليس ذلك مختارًا، لأن كلام العرب: غويت من الضلالة، وغويت من البشم.
ثم قالوا: {تبرأنا إليك} منهم ما كانوا يعبدوننا، إنما عبدوا غيرنا، و{إيانا} مفعول {يعبدون} لما تقدّم الفصل، وانفصاله لكون يعبدون فاصلة، ولو اتصل، ثم لم يكن فاصلة.
وقال الزمخشري: إنما كانوا يعبدون أهواءهم ويطيعون شهواتهم؛ وإخلاء الجملتين من العاطف، لكونهما مقرونين لمعنى الجملة الأولى. انتهى.
{وقيل ادعوا شركاءكم} لما سئلوا أين شركاؤكم وأجابوا بغير جواب، سئلوا ثانيًا فقيل: ادعوا شركاءكم، وأضاف الشركاء إليهم، أي الذين جعلتموهم شركاء لله.
وقوله: {ادعوا شركاءكم} على سبيل التهكم بهم، لأنه يعلم أنه لا فائدة في دعائهم، {فدعوهم} هذا لسخافة عقولهم في ذلك الموطن أيضًا، إذ لم يعلموا أن من كان موجودًا منهم في ذلك الموطن لا يجيبهم، والضمير في {ورأوا}.
قال الضحاك ومقاتل: هو للتابع والمتبوع، وجواب لو محذوف، والظاهر أن يقدر مما يدل عليه مما يليه، أي لو كانوا مؤمنين في الدنيا، ما رأوا العذاب في الآخرة.
وقيل: التقدير: لو كانوا مهتدين بوجه من وجوه الحيل، لدفعوا به العذاب.
وقيل: لعلموا أن العذاب حق.
وقيل: لتحيروا عند رؤيته من فظاعته، وإن لم يعذبوا به، وقيل: ما كانوا في الدنيا عابدين الأصنام.
وقال أبو عبد الله الرازي: وعندي أن الجواب غير محذوف، وفي تقريره وجوه: أحدها: أن الله إذا خاطبهم بقوله: {ادعوا شركاءكم} اشتدّ خوفهم ولحقهم شيء بحيث لا يبصرون شيئًا، لا جرم ما رأوا العذاب.
وثانيها: لما ذكر الشركاء، وهي الأصنام، وأنهم لا يجيبون الذين دعوهم، قال في حقهم: {ورأوا العذاب} لو كانوا من الأحياء المهتدين، ولكنها ليست كذلك، ولا جرم ما رأت العذاب.
والضمير في رأوا، وإن كان للعقلاء، فقد قال: ودعوهم وهم للعقلاء. انتهى. وفيه بعض تلخيص.
وقد أثنى على هذا الذي اختاره، وليس بشيء، لأنه بناه على أن الضمير في رأوا عائد على المدعوين، قال: وهم الأصنام.
والظاهر أنه عائد على الداعين، كقوله: {إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين أتبعوا ورأوا العذاب} ولأن حمل مهتدين على الأحياء في غاية البعد، لأن ما قدره هو جواب، ولا يشعر به أنه جواب، إذ صار التقدير عنده: لو كانوا من الأحياء رأوا العذاب، لكنها ليست من الأحياء، فلا ترى العذاب.
ألا ترى إلى قوله: فلا جرم ما رأت العذاب؟.
{ويوم يناديهم} هذا النداء أيضًا قد يكون بواسطة من الملائكة، أو بغير واسطة.
حكى أولًا ما يوبخهم من اتخاذهم له شركاء، ثم ما يقوله رءوس الكفر عند توبيخهم، ثم استعانتهم بشركائهم وخذلانهم لهم وعجزهم عن نصرتهم، ثم ما يبكتون به من الاحتجاج عليهم بإرسال الرسل وإزالة العلل.
وقرأ الجمهور: {فعميت} بفتح العين وتخفيف الميم.
وقرأ الأعمش، وجناح بن حبيش، وأبو زرعة بن عمرو بن جرير: بضم العين وتشديد الميم، والمعنى: أظلمت عليهم الأمور، فلم يستطيعوا أن يخبروا بما فيه نجاة لهم، وأتى بلفظ الماضي لتحقق وقوعه.
{فهم لا يتساءلون} وقرأ طلحة: يساءلون، بإدغام التاء في السين: أي لا يسأل بعضهم بعضًا فيما يتحاجون به، إذا أيقنوا أنه لا حجة لهم، فهم في عمى وعجز عن الجواب.
والمراد بالنبأ: الخبر عما أجاب به المرسل إليه رسوله.
ولما ذكر تعالى أحوال الكفار يوم القيامة، وما يكون منهم فيه، أخبر بأن من تاب من الشرك وآمن وعمل صالحًا، فإنه مرجو له الفلاح والفوز في الآخرة، وهذا ترغيب للكافر في الإسلام، وضمان له للفلاح.
ويقال: إن عسى من الله واجبة. اهـ.